جمبل ولد منصور: القول بأنه في موريتانيا نظام فصل عنصري فيه شطط ونزق

جمعة, 05/09/2025 - 19:38

يطل علينا المولد النبوي الشريف في أجواء من النقاش الذي وصل حد التنابز والتعريض والشتم أحيانا حول القضايا ذات الصلة بالوحدة الوطنية وموضوع الحراطين وأسئلة الهوية والشراكة في السلطة والثروة، ولأننا في المولد النبوي الشريف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أقام مجتمعا ودولة ميزهما التعدد والتنوع حيث تآخى وتآلف أبوبكر العربي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي - رضي الله عنهم جميعا - على قواعد المساواة والعدل والفرص المتكافئة " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فقد رأيت من المناسب المشاركة في هذا النقاش بجملة من الملاحظات والخلاصات أبسطها بين أيدي المهتمين والمتابعين: 

1 - لايمكن في بلد مثل بلدنا أن يستقر على قاعدة سوى قاعدة المواطنة المتساوية، حيث المعتبر والمشرف والسبب في تحديد الواجبات وتصور الحقوق، هو المواطنة والانتماء لموريتانيا بهويتها المركبة والجامعة، فلايكون الانتماء لأي مكون عرقي أوفئة اجتماعية أومجموعة جهوية أومنطقة جغرافية، امتيازا على أساسه تستحق مكانة أوتنال حقوق، ولا تمييزا على ضوئه يكون حجب أوحرمان.

2 - لا يمكن تبرير واقع الظلم والاسترقاق الفظيع والاستعلاء المقيت الذي عرفه تاريخ المجتمع الموريتاني بكل مكوناته وقومياته، وليس من الوارد الدفاع عن ممارسات الأقدمين ولا البحث لها عن أعذار، بل إن الاعتراف بهذه المظالم وبحجم المآسي التي خلفتها، مطلوب خصوصا من أبناء العرب والزوايا في المكون العربي ومقابلهم في المكونات الوطنية المختلفة، فقد لعب هؤلاء الدور الأكبر في هذه المظالم، وأن يطرح الضحايا وأبناؤهم مطالب المستضعفين والمظلومين، أمر لايستغرب، بل يلزم تشجيعه على أن ينحو منحى الصدق والإنصاف والاعتدال، فردود الفعل المتشنجة لاتؤدي إلا لمثلها ونوعها،فالتوازن والمسؤولية يزيدان المطالب قوة ومضاء، ويتكلف الغلو والمبالغة بتوتير الأجواء وإحلال التنافر والصراع محل التآلف والتناغم.

3 - القول بأن في بلادنا ظلما وتمييزا وغبنا وتهميشا مازال يمارس في أغلبه في حق المكونات الضعيفة والحراطين على وجه الخصوص، قول صحيح، ولايعني أنه لم تقطع خطوات في هذا الصدد، بل قطعت ولم تعد الأحوال كما كانت منذ عقدين أوثلاثة، ولكن بقيت خطوات مازالت مطلوبة خاصة فيما يتعلق بالتمييز الإيجابي الذي سيتيح لضحايا الغبن والاستعباد اللحاق بالركب والمنافسة في جو يسوده تكافؤ الفرص.

ولكن القول بأنه في موريتانيا نظام فصل عنصري أوأن الناس مازالت تستهدف على أساس ألوانها أوأعراقها، قول غير صحيح ولامفيد، بل فيه شطط ونزق، ولايخدم المطالب العادلة للشرائح أوالمجموعات المعنية.

4 - الجدل الدائر حول هوية الحراطين جدل في غير محله، فالسؤال الثقافي هو آخر الاهتمامات لمن يعيش إشكالات حقوقية واجتماعية واقتصادية، فالأولوية اليوم هي نيل الحقوق وتحقق المساواة وتكافؤ الفرص 

وبعد ذلك يناقش الموضوع الثقافي.

لاشك أن الحراطين من المكون العربي - ولا أقول البيظان فذلك مصطلح له وقعه الشكلي وطابعه الإقصائي - واللغة والثقافة والعادات تشهد لهذا الانتماء، ولاشك أيضا أن للحراطين خصوصيات بارزة اجتماعيا وثقافيا وفنيا، ومع أني لا أهتم بالأعداد وليست هناك إحصاءات ذات مصداقية والأغلبيات المعتبرة في الدولة الحديثة هي الأغلبيات الديمقراطية القائمة على البرامج والاختيارات، فإن الحراطين يشكلون الكتلة السكانية الأكبر في هذه البلاد، ولايظنن أحد ولاعنوان أنه يمثلهم حصرا على طريقة منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي والوحيد" والمشاريع السياسية لاتستحق الصفة الوطنية الحقيقية إلا إذا مثلت الجميع واستوعبت الجميع وكان في الصدارة منها الجميع.

5 - لايسعف التاريخ مقولتين تم استدعاؤهما في هذا النقاش الدائر أما الأولى فهي أن في موريتانيا سكانا أصليين وسكانا وافدين وأن الوافدين يسيطرون وأن الأصلاء مظلومون في استدعاء غير موفق لما كان في جنوب إفريقيا، وأما الثانية فهي أن موريتانيا أرض البيظان ودولة البيظان مما يعني غرابة غيرهم والتشكيك في انتمائه، والحقيقة هي أن كل مكونات هذا البلد أصيلة فيه وأن وجود امتدادات لهذه المكونات خارج موريتانيا الآن لايلغي انتماء هؤلاء لدولهم طبقا للخريطة الحالية لدول المنطقة.

العنصرية جريمة، والاستعباد جريمة، والاستعلاء جريمة، وتفريق المجتمع جريمة، والكراهية خطابا وممارسة جريمة، ولسنا مجبرين على أن نتخير من هذه الجرائم، بل يلزمنا مواجهتها وتعريتها جميعا في سبيل مجتمع التآخي والتآلف والذي يسوده العدل وتظله المساواة وتتحقق فيه المواطنة.