النائب صهيب يكتب: يا خديجة... من يكتبك اليوم؟

خميس, 10/07/2025 - 14:05

في زمنٍ باتت فيه التغريدات توزن بميزان السياسة، لا الصدق، خرجت علينا الإعلامية خديجة بن قنة — وهي صوت عرفه الناس في ميادين الكلمة، وصار اليوم يهوى التلميح والغمز أكثر من الصراحة — بتدوينتين تمسان من كيان موريتانيا وسيادتها، على خلفية زيارة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كتبت خديجة، لا بوصفها صحفية تنقل، بل كأنها تتحدث بوحي مشغليها، تصنّف الزيارة، وتلوّح بأجندة التطبيع، وتلمّح إلى مآرب غير معلنة، كأنها تملك مفاتيح عقل الدولة الموريتانية، أو كأن بلادنا تحتاج لمن يُقرر عنها أين تقف ومتى تمشي.
لكن، يا خديجة…
قبل أن تُنزلي التغريدة من دماغك إلى منصة تفاعلية، كان حريًّا بك أن تذكري أن موريتانيا ليست بلدًا هامشيًّا ولا نشازًا في الجغرافيا. إنها دولة التاريخ الصامت، والصبر الطويل، والسيادة التي لا تُشترى. بلاد الفقهاء الذين علّموا الصحارى معنى النور، والشعراء الذين صنعوا من الرمال منابر للحكمة.

لقد زار رئيسنا الولايات المتحدة، كما يزورها رؤساء العرب والأفارقة، لا ليستجدي، ولا ليُوقّع ما يُخالف الضمير، بل ليطرق أبواب الشراكة، ويُبلّغ صوت الدولة الصغيرة ذات الكبرياء الكبير. فهل باتت كل زيارة إلى الغرب تهمة؟ وهل صار من يقابل مسؤولًا أمريكيًّا مشبوهًا بنظر من يكتب من وراء الحجاب الإعلامي؟

وأنت، يا خديجة، ابنة الجزائر التي نحب، ونعرف، ونُكبر، ما كنا ننتظر منك طعنًا ولا لذعًا. فالجزائر بلدٌ شقيق، ومَن لا يُجِلّها فقد خان الذاكرة والدم والموقف. لكنها أيضًا بلد يعرف أهلها الفرق بين الدولة ومَن يتحدث باسمها زورًا، أو يُفسد باسمها مقامًا.
الجزائر الرسمية والشعبية لم تُسِئ لموريتانيا، ولم تُبْدِ امتعاضًا من علاقاتنا الدولية، لا في العلن ولا في الخفاء. بل وقفت معنا في قضايا السيادة والتنمية، كما وقفنا معها يوم احتاجت إلى الشقيق. ومن لا يعرف الفرق بين الجزائر الدولة، وبعض أبواق الإعلام، فقد أساء للاثنين معًا.
ولذلك، نُعيد السؤال الذي يُقلقنا: من يكتبكِ اليوم؟ أهو صوتكِ الحقيقي، أم أصداء مَن يُحرّكون الأقلام من خلف الستار؟ أهي حميّتك الصحفية، أم أنك تنفذين ما يُطلب منك، حين تضيق الصدور برؤية موريتانيا تقف مستقلة، تصنع قرارها، وتختار شراكاتها بعيدًا عن التبعية أو الاصطفاف الفارغ؟

إننا نعرف أن هناك من لا يُسعدهم أن يرى المغرب العربي متقاربًا، مستقل القرار، متصالحًا مع ذاته. ويُزعجهم أن يروا نواكشوط تُجالس واشنطن دون وصاية، وتُفاوض على مصالحها دون إذن.

ونقولها بلا تلعثم، وبصوت مسموع: موريتانيا ليست في وارد التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا الآن ولا غدًا.
ليس فقط لأن في ذلك خيانةً لمبدأ، بل لأن التطبيع عند الموريتانيين خطيئة لا تُغتفر، ما دامت إسرائيل تحتل أرضًا عربية، وتُدنّس مقدساتنا، وتُنكّل بأهلنا في غزة والضفة والقدس.
ومَن يعرف هذا الشعب، يعلم أن فلسطين في ضميره لا تُمثّل ورقة في مداولات السياسة، بل نداءً دائمًا لا يخبو.

إن رئيس الجمهورية نفسه، المعروف باعتداله السياسي وتمسكه بالثوابت القومية، لم يتزحزح يومًا عن موقفه الداعم لفلسطين، ولم تخرج من فمه ولا من حكومته أية إشارة توحي بانحراف عن هذا الخط.

نكتب لك يا خديجة لا لهواية في الردود، ولا لنُسيء، بل لنحفظ للموقف وزنه. نرد لا لأننا ضعفاء، بل لأننا نرفض أن تُختزل صورة وطن كامل في سطر غامز، أو تُعلّق على زيارته السيادية تهمة عابرة.
موريتانيا تُبني بمبادئ، لا بمواقف اللحظة.
وتُقرأ بتاريخها، لا بتغريدات تُكتب من وراء حجابٍ سياسي.
إن أردتِ الحقيقة، فموريتانيا لم تطلب أبدًا شهادة من أحد، ولن ترضى أن يُملي عليها أحد مَن تزور ومَن تُحادث.
هي تسير على خطّها، لا تميل حيث مال الريح، ولا تتّبع ظلًّا ممدودًا.
تُجالس الكبار، وتحاور الشركاء، وترفع علم فلسطين في قلبها كما في شوارعها، ولا تحتاج لمن يُذكّرها بمَن كانت دائمًا معهم، في السرّاء والضرّاء.

فلا تُنكري الشمس من أجل ظلّكِ يا خديجة،
فمن أراد أن يُبصر… فلينظر بعين لا يُغشيها الغرض.

النائب الداه صهيب