
ذات صباح من سنة 2024 استيقظت على تسجيل صوتي موغل في الكراهية والعنصرية للمدعو عبد الفتاح ولد اعبيدنا، نفث فيه سمومه وغله اتجاه مكون لحراطين: شتائم بكل البذاءات اللاإنسانية، المخزية والمحطة من إنسانية قومية لم تتسبب له بسوء، بل على العكس، مجموعة خدمته وخدمت آباءه وأمهاته، بل وخدمت جميع الشعب الموريتاني بلا من ولا كسل ولا فتور أو امتعاض.
مَن مِن هذا المجتمع لم ترضعه حرطانية أو خادم -واللفظان يؤديان نفس المعنى-، ومن لم تخدمه هذه الشريحة وتولت عنه كل الأشغال؛ فكانت له أذرعا وخداما وحامية، يكفيها من الشرف أن تؤدي مهامها، وأن تصنع الخير.
استيقظت ذلك اليوم على صوتية موغلة في اللئامة ونكران الجميل، بل تعدى محتواها كل ذلك ليكون عدائيا يحمل في طياته حقدا دفينا: يقول ولد "اعبيدنا" إن لحراطين مجموعة من القطعان تمتلك أسر أهله كل على حدة قطعانها منهم. لم يكتفى ولد "اعبيدنا " بوصفنا كعبيد مملوكين، بل ذهب إلى نفي صفة البشر عنا؛ وصفنا بأننا "مخنزين"، وأننا لسنا أندادا لمثله، وأنه لن ينزل من علوه ليرد على حرطاني لأن من كان حرطانيا لا يستحق أن يرد عليه. كل ذلك فعله ولد "اعبيدنا" للحراطين ولجمع الموريتانيين؛ إذ أن من يسئ إلى مكون من الشعب الموريتاني، فقد أساء إلى جميع الموريتانيين: من أساء إلى لحراطين، فقد أساء إلى البيظان وإلى الزنوج. ومن يسئ إلى الزنوج فقد أساء إلى البيظان، وأساء إلى لحراطين، هكذا فقط يمكن أن نكون شعبا واحدا، هكذا فقط يمكن أن نكون أمة واحدة، وبذلك فقط يمكن لموريتانيا أن تحصن من الاقتتال الداخلي وويلات الحروب الأهلية التي عصفت بكيان جمهورية السودان الشقيقة، الشبيهة بنا في تشكلاتها الاجتماعية الإسلامية والعربية والإفريقية والزنجية والقبلية، والتي تمزقت إلى دويلات فاشلة، حيث انفصل جنوبها لما لم يجد ذاته في أخوته مع الشمال. ويكاد دارفور أن يؤول به الحال كذلك. وتستمر تجزئة المجزئ بعد أن انتقل الصراع إلى داخل المجموعة العربية حيث يتقاسم النفوذ الرئيس عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو "احميتي" قائد الدعم السريع.
الأمثلة كثيرة في عالمنا العربي والإفريقي. وموريتانيا ليست بدعا من الأمم حتى تكون في مأمن أن يصيبها جراء الظلم ما أصاب غيرها، أمنها من ذلك المصير مرهون بتحقيق العدل والمساواة، ومسئولية حكامها في تحقيق ذلك لا بديل عنها.
الأمم التي تطورت وازدهرت، فرضت على حكامها أن يحكموا بينهم بالعدل والمساواة وإزالة كل الفوارق والامتيازات الاقطاعية والعنصرية والنظر للإنسان من خلال إنسانيته وتكريمه كما حباه الله بذلك، ولم تقبل التمييز بين الناس على أساس ألوانهم أو انتماءاتهم القبلية أو الجهوية ولا الطائفية أو العنصرية. بهذا فقط أمنت الشعوب التي تتسيد العالم تحقيق تطورها وازدهارها، وبه فقط يتأتى لموريتانيا تأمين حاضرها ومستقبلها.
لما استمعت لصوتية ولد "اعبيدنا" الذي وللمفارقة سمي أبوه على "عبد" لأهله اعترافا منهم بما كان منه من تفان وإخلاص فى ما يسندون له من شأنهم، ما دفعهم لتسمية والد أسرة الصحفي عبد الفتاح على اسمه تيامنا بأخلاق وإخلاص ومردودية ذلك العبد الذي ضن عليه باسم شخصي وعوض عنه بالتعريف بالإضافة للأسرة "اعبيدنا"، ليعطى اسم ذلك العبد لاحقا للجد الجامع لأسرة الحفيد عبد الفتاح، الذي يبدو أن ذلك لم يرق له، بدليل ما يحمل من حقد على كل العبيد.
قد يكون للإسم تفسير آخر، لكن المهم في الأمر أن من سموا ابنهم الغالي "اعبيدنا" لم يكونوا كابنهم عبد الفتاح الذي جاء متعاليا وحاقدا على لحراطين.
لما سمعت صوتية عبد الفتاح التي تهينني وتسلبني وأبوي وأبنائي وأصدقائي إنسانيتنا، وتهين كل من كان مثلي؛ كل إنسان منصف معتدل، انبريت للذود عن شرفي وعن إنسانيتي وكرامتي نصحا وتوجيها، لا ردا بالمثل لأنني لا أسمح لنفسي بالإساءة للغير ولأنني بيظاني أكثر من ولد اعبيدنا وحرطاني بنفس الدرجة وزنجي كذلك.
سجلت صوتية انتقدت فيها السياسات العمومية التي هي سبب الكراهية بين مكونات شعبنا، وحملت الدولة مسئولية ما وصلت له الفرقة واتسعت به الهوة بين فئات شعبنا: نعم الحكومات هي من يتحمل كل المظالم وهي السبب فيها بسياساتهم الظالمة والعنصرية والاقصائية والتي لا تخدم لا البيظان، بل تضرهم وتضر بنا جميعا؛ لأنها تزرع الشقاق بيننا والكراهية وتهدد أمننا في الحاضر والمستقبل، وتجعلنا على مسار الشعوب الفاشلة التي استعرت بينها نار الحروب الأهلية المدمرة والتي لا تخدم أحدا والكل خاسر فيها ، وما سوريا وليبيا والسودان عنا ببعيد ؛
؛ فهذه الدول لم تكن تظن أنها سينتهى بها الحال إلى ما آلت إليه من دمار وويلات ودماء .
نحن ما زالت لدينا فرصة والحمد لله على ذلك. نحن شعب عظيم قادر على التعايش بسلم وأمان. نحن شعب منفتح قابل لأن يكون من أعظم الشعوب، ولكن المشكلة في من يحكموننا؛ هؤلاء ليسوا على مستوى تطلعات شعبنا، هؤلاء يحكموننا بعقلية فرق تسد: يفرقوننا قبائل وفئات ويضربون بعضنا ببعض ليتسنى لهم الاحتفاظ بالسلطة بشكل منفرد أطول فترة ممكنة، حتى ولو كان ذلك على حساب أمننا وسلامتنا. لا ينبغي أن ينخدع في هؤلاء ولا ينبغي أن نتبنى سياساتهم التفريقية التي تفرق بيننا. يجب أن نفرض على الحكام الفاسدين إرادتنا في التوحد: لا نقبل موريتانيا من دون البيظان ولا نقبل موريتانيا من دون الزنوج ولا موريتانيا من دون لحراطين. لا ينبغي أن نقبل من أحد تهميش البيظان ولا تهميش الزنوج ولا تهميش لحراطين، فموريتانيا نحن جميعا ولن تستقيم بغياب أو تغييب أي مكون خلف الركب.
لما قُدٍمت شكاية من عبد الفتاح ولد اعبيدنا وتم إيقافه أطلق سراحه خلال شهر. وقتها كان مختار ولد مرزوك منذ ستة أشهر يقبع في السجن دون أفق لمحاكمته أو الاستفادة من إطلاق سراحه.
ذكرت بقضية المختار (الحرطاني)المتهم بنفس تهمة ولد اعبيدنا، لكنه كان ضحية لتمييز واضح مقيت بني على العنصرية وكرس حقيقة الكيل بمكيالين في ميزان العدالة.
نبهت حينها على تلك المعاملة الظالمة وأرجعتها لممارسة أصبحت مألوفة مع الزمن تقوم على احتقار وإقصاء ممنهج في حق شريحة كادحة لم تسئ لأحد، وذكرت أن مثل ذلك الحيف هو ما سبب الويل والدمار لكثير من الدول، وأن موريتانيا لا مصلحة لها في الظلم والفساد لما لهما من عواقب كارثية لا تبقى ولا تذر. وقلت إنه لا يحق لأحد مهما كان:
رئيسا أو مرؤوسا أن يحتقر لحراطين، وأن من يحتقرهم، يعطيهم الحق أن يحتقروه ولو كان محمد ولد الغزواني رئيس الجمهورية أو غيره.
تم اعتقالي على إثر ذلك التسجيل الصوتي بتهمة كيفت تلبسية لأخرج من السجن بعد انقضاء الشهر المسموح به في إيداع المتهم التلبسي السجن.
بعد الخروج من السجن، واسترسالا في نقاش المسألة التي سجنت بسبب التعليق عليها والمتعلقة بالخلل في احترام مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن أعراقهم وألوانهم وأصولهم الاجتماعية، علقت في إطار الردود على المتفاعلين معي على صفحتي على الفيس بووك بتدوينة مكتوبة عن مظهر من ذلك الخلل ؛يتعلق بالخلل في المساواة أمام تقلد الوظائف العامة ، وما يتعرض له الحراطين من غبن في ذلك المجال، فتم اعتقالي وحبسي لأكثر من أربعة أشهر دون محاكمة، ولتتم محاكمتي على أساس الصوتية والمنشور، وحكم على بسنة منها أربعة أشهر موقوفة ، عقدت إجراءات استئناف ذلك الحكم بفعل تأخر تحرير الحكم لمدة تجاوزت الشهر وتستمر!
اليوم وبعد سجني لستة أشهر انقضت واحتمال تأكيد بقية الأشهر الثمانية النافذة حال رفض الاستئناف، أتعرض لظلم جديد:
المحكمة تستدعيني مرة أخرى لجلسة مقررة يوم 03 يوليو 2025 على خلفية ردي على تسجيل عبد الفتاح ولد اعبيدنا المسيء والمهين للحراطين.
تم حبسي ومحاكمتى والحكم علي بسبب ردودي على المتفاعلين مع تعليقي على إساءة عبد الفتاح ولد اعبيدنا.
وستتم محاكتي من جديد بسبب ردي على إساءة عبد الفتاح ولد اعبيدنا، علما أننى في ردي ذلك لم أتعرض بالإساءة لقبيلة ولا مكون من مكونات بلدي وشعبي.
أتعرض لكل هذا وعبد الفتاح ولد اعبيدنا حرا طليقا! "مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ"
أحمد صمب عبد الله